السبت، 7 ديسمبر 2013

التَّربية الجنسيَّة في الإسلام



يقصد بالتَّربية الجنسيَّة: إمداد الفرْد بالمعلومات العلميَّة، والخبرات الصحيحة، والاتِّجاهات السليمة، إزاء المسائل الجنسيَّة، بقدر ما يسمح به النموّ الجسمي الفسيولوجي والعقْلي الانفِعالي والاجتِماعي، وفي إطار التَّعاليم الدينيَّة والمعايير الاجتِماعيَّة والقيم الأخلاقيَّة السَّائدة في المجتمع؛ ممَّا يؤدّي إلى حسن توافُقه في المواقف الجنسيَّة، ومواجهة مشكلاتِه الجنسيَّة مواجهةً واقعيَّة، تؤدّي إلى الصحَّة النفسيَّة.

فالتَّربية الجنسيَّة بِهذا المعنى لا يقصد بها تعْليم الجنس؛ بل توجيه كلا الجِنْسَين من منظور ديني وأخلاقي نحوَ المسائل الجنسيَّة، والتغيُّرات الجسميَّة التي يتفاجأ بها أبناؤها على حين غفلة، والابتعاد عن التعلُّم الاعتباطي الكيْفي عن طريق أحد أصدِقاء السّوء، أو عن طريق التَّجارب الخاطِئة التي يقع فيها أوْلادنا عندما نبتعِد عنهم.
متى تبدأ التربية الجنسية؟
مراحل هذه التَّربية والتدرُّج فيها:
كنتُ في السَّابق ممَّن يُعارضون بدْء عمليَّة التَّربية في الصِّغر؛ لكنَّ الانتِشار الرَّهيب لنوادي الإنترنت الَّتي تَحتضِن الصَّغير قبل الكبير، يَجعل تزْويد الطِّفْل بِجرعات على قدْر فهمه أفضل.
وقد ذهب البعض مذهبًا بعيدًا في التَّربية الجنسيَّة بِحيث اعتبروها تبدأ منذ الولادة - اعتِقادًا منهم أنَّ لهم قصب السَّبق في ذلك - غير أنَّ الحقيقة التي تقضّ مضاجعهم أنَّ الإسلام هو السبَّاق إلى ذلك؛ إذِ اعتنى بالطّفل منذ الولادة فجعل خِتانه من خصال الفِطْرة، ومن سُنن الهدي النبوي، بل الغريب في ذلك أنَّ الغرْب توصَّل إلى أهميَّة الختان في مقاومة الأمراض والتعفُّنات التي يُمكن أن تُصيب الرَّجُل والمرأة على حدٍّ سواء في الصَّحيحين عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الفطرة خمس: الخِتان، والاستِحْداد، وقصّ الشَّارب وتقليم الأظافر، ونتْف الإبط)).

المرْحلة الأولى: ما بين سنّ (7 - 10 سنوات) وهي مرحلة ابتدائيَّة، وذلك بتعليم الصِّبيان ومَن هم قبل البلوغ الأحْكام - خاصَّة العمليَّة - وتدريبهم عليها، سواء الصَّلاة والوضوء لها، ونواقِض الوضوء وأحكام الطَّهارة، وكذلِك الصَّوم ... إلخ، طبعًا الطَّهارة والوضوء يترتَّب عليْه بيان نواقضِه، ووسائل رفع الحدث.
ثمَّ التفريق في المضاجع؛ يقول الرَّسولُ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((وفرِّقوا بيْنهم في المضاجِع))؛ رواه أبو داود في سُنَنه.
ويتعلَّم فيها الأبناء آدابَ الاستِئْذان؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58].
وغضُّ البصر وبِحيث يحرم النَّظر إلى غير المحارم، في قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]، فإذا وجد الطِّفل البيئة الصَّالحة التي تعامله منذ ولادَتِه معاملة صحيحة، فإنَّه ينمو صحيحًا، أمَّا إذا شبَّ الطِّفل في أسرة لا تسمح بالنموّ الجنسي السَّليم، فإنَّ المشكلات الجنسيَّة تبدأ في الظّهور وتتراكم حتَّى تعبِّر عن نفسها في مرحلة المراهقة، وتظهر الانحرافات الجنسيَّة، ولله درّ الشَّاعر إذ يقول:
لَـيْـسَ الـيَـتِـيـمُ مَـنِ انْـتَـهَـى أَبَـوَاهُ مِـنْ هَــمِّ الـحَـيَــاةِ وَخَـلَّـفَــاهُ ذَلِــيــلا
إِنَّ الـيَـتِـيـمَ هُـوَ الَّــذِي تَـلْـقَــى لَــهُ أُمًّــا تَـخَـلَّــتْ أَوْ أَبًـــا مَـشْــغُــولا

المرحلة الثانية: ما بين سنّ (10 - 18) يتمّ استِحْضار المقدمات السابقة بشكل دائم، وشرح ما يطرأ على المراهق والمراهقة من تغيُّرات فسيولوجية، وفي هذه المرْحلة لا بدَّ من تضافُر مجهودات الآباء والمدرِّسين في توصيل المعلومات الصَّحيحة إلى الابْن المراهق، وفكّ كلّ لُغز مُحير لديْه وبضوابطَ شرعيَّة صحيحة، ههُنا يكون من الأجْدى وضْع مادَّة دراسيَّة في هذه المرحلة لتبْصير الطَّالب، وتَحذيره في الآن نفسه من مغبَّة اتّباع مسلكيَّات مخالفة للشَّرع الحنيف، من قبيل ما نهى عنْه الله - عزَّ وجلَّ - الاقتِراب من الزِّنا في قوله: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء: 32].

إذًا؛ فالتَّربية الإسلاميَّة للمُراهقين فيما يتعلَّق بقضيَّة الشَّهوة الجنسيَّة هي سدُّ كلّ الذَّرائع التي تهيِّج الشَّهوة في غير محلِّها، فتصيب الشابّ والشَّابَّة باضطراب وآلام نفسيَّة وصرْف هذه الطَّاقة إلى أهداف أُخْرى، والتَّسامي على ذلك إلى حينه، وعند توفُّر الظُّروف المناسبة نشجِّعهم على الزَّواج، وأضِف إلى ذلك: على المراهق أن يتذكَّر دائمًا أنَّ له محارم يَجب أن يراعيَ الله فيهم؛ وفقًا لما جاء في الحديث النبويّ الشَّريف، عندما جاء شابٌّ إلى النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فقال: يا رسولَ الله: أتأذن لي بالزّنا؟ فهاج القومُ وماجوا، فقال الرَّسولُ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((دعوه، أقبل يا ابن أخي))، فأجلسه بجواره ثمَّ قال له: ((أترْضاه لأمِّك؟)) فقال: لا يا رسول الله، قال: ((فكذلِك النَّاس لا يرضونَه لأمَّهاتِهم))، وكرَّر عليه عددًا من الأقرباء، ثمَّ مسح على صدرِه ودعا له.

وتنمية العفَّة والطَّهارة لدى الفرْد؛ {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور: 33].

المرحلة الثَّالثة: 18 سنة فما فوق، هُنا يظهر دوْر الآباء العُلماء الوعَّاظ في شرْح معنى الزَّواج والعلاقات الجنسيَّة بصفة شمولية؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضِي الله عنهما - قالَ: جاءَ عُمَرُ إلى رَسُولِ اللَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ، قالَ: ((وما أهْلَكَكَ؟)) قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلي اللَّيْلةَ، قالَ: فلم يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسولُ اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - شَيْئًا، قالَ: فأنْزَلَ اللَّهُ على رَسُولِ اللَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - هذِه الآيَة: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، ((أقْبِلْ وأدْبِرْ واتَّقِ الدُّبُرَ والحيضَة))، إلى آخر هذه العبارات المغلَّفة بغلاف الأدب والوقار.

وبيان حاجة الكوْن إليه للحفاظ على النسل، وواجبات الزَّوج نحو زوْجته، وواجبات الزَّوجة نحو زوجها، ولا ننسَى دَوْر الأطبَّاء في القيام بالدَّورات التحسيسيَّة في المجال الصحّي - العلمي للحدّ من خطورة الأمراض النَّاجمة عن العلاقات الجنسيَّة في إطار الزَّواج وخارجه.

إذًا؛ المقصود من التربية الجنسيَّة هو تعليم الولد أو البنت وتوْعية كلٍّ منهُما ومصارحته، منذ أن يعقِل بالقضايا التي تتعلَّق بالجنس، وترتبِط بالغريزة، وتتَّصل بالزَّواج، حتَّى إذا شبَّ الولد، وتفهَّم أمور الحياة، عرف ما يحلُّ وما يحرم، وأصبح السّلوك الإسلامي المتميّز خُلقًا له وعادة، فلا يجري وراء الشَّهوة، ولا يتخبَّط في طريق تحلّل، وتلك مسؤوليَّة الآباء والأمَّهات ووسائل التَّنشئة الاجتِماعيَّة، فالأب يتكلَّم مع ابنه، والأمّ مع ابنتِها، ومؤسَّسات التنشئة توفّر جوًّا من الطهر والعفاف، ينشأ فيه الجيل المسلم بعيدًا عن مثيرات التَّشويش والإثارة، وقد صـرَّح الشَّرع بهذه المسؤولية لمؤسَّسة الأسرة والدَّولة وسائر أفراد المجتمع المدني؛ فعَنِ ابْنِ عُمَر - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قالَ: (كُلُّكُم راعٍ، وكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِه، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ على أهْلِ بَيْتِه، والمَرْأةُ راعِيةٌ على بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِه، فكُلُّكُم رَاعٍ وكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه).
المصدر: http://www.e-moh.com/vb

هناك تعليقان (2) :