الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

الكالينتي بين الماضي و الحاضر

الكالينتي و هو عبارة عن  أكل خاص يأخذ شكل عجة رطبة يجب أن تؤكل ساخنة لتستمتع بمذاقها الفريد، و يحضر بنصف كيلوغرام من دقيق الحمص وكوبا ماء بارد وملح وفلفل أسود- و بيض بالنسبة الكالينتي المنزلي- يخفق جيدا و يفرغ في صينية دائرية الشكل.



  وتمتد جذوره إلى أيام الوجود الإسباني في شمال المغرب.

  ولهذا السبب بالذات تأخذ الأكلة اسمها الإسباني الذي يعني «سخن» أو «طري». وتنتشر هذه الأكلة الخفيفة جدا في مدن الشمال، خاصة مدينة تطوان التي كان اغلب سكانها في الماضي من الإسبان.وأيضا طنجة ويتجمع بائعو «الكالينتي» في أهم شوارع المدينة لعرض بضاعتهم في قوالب فرن دائرية يبيعونها للمارة على شكل شرائح لا يتعدى سعرها 1 دراهم. أغلب سكان المدينة يرجعون أصل «الكالينتي» الى الإسبان الذين كانوا يعيشون في المدينة منذ أزيد من 50 عاما أثناء فترة الاستعمار.  واليهود هم بائعو«الكالينتي» الأوائل، وهم الشريحة الاجتماعية التي كانت تمارس كل أشكال المهن وكل أشكال التجارة في ذلك الوقت، وأنه لم يكن منتشرا بالشكل الذي هو عليه اليوم.
كان لون «الكالينتي» وقتها أصفر فاقعا
لأن يهود المدينة كانوا يضيفون إليه مسحوق البطاطا الحلوة بعد شيها في الفرن. لكن وإن اعتقد الكثيرون أن الأكلة اسبانية تنضاف لعدد من الوصفات التي تركها الإسبان بالمنطقة كطبق «البهية» الشهير مثلا أو التشورو (عجائن طويلة تقلى في الزيت)، فإن الأصل في الإعداد هو الحمص الذي يلتقي أيضا مع ثقافة الشرق، مثل طبق الحمص اللبناني والطعمية المصرية التي تعد أساسا بالحمص المنقوع والمتبل. وربما كان الكالنتي مزيجا من حضارة الشرق والغرب، التي وجدت في الأندلس الحقل المثالي لنموها وازدهارها.

ويصبح الكالنتي، خاصة في فصل الصيف، نجم الشوارع في طنجة. ويمكن ملاحظة طوابير من النساء والفتيات وهن يتحلّقن حول قطعة «الكالينتي» متبلة بالفلفل الحار. كما ان زوار المدينة يجعلون منه احيانا وجبة مكتملة، حين يضعونه وسط قطعة خبز يلتهمونها بكثير من التلذذ، وهو ما يثير استغراب سكان المدينة. و«الكالينتي» أكلة في متناول الجميع، فدرهمان منه قد تكون كافية لسد رمق جوع طارئ، والاستمتاع بمذاقه الخاص الذي لا يعرفه سوى سكان المدينة الذين يتقنون إعداده.
الأكلة هي أيضا مصدر رزق لعدد من العائلات، مثل «عيشة» الأرملة، التي كانت صاحبة أشهر دكان لبيع «الكالينتي» في المدينة، وكانت غالبية زبائنها من النساء اللواتي يثقن أكثر في نقاوتها ونظافتها. كما أن عددا من الشباب الذين انقطعوا عن الدراسة اختاروا الكالنتي فرصة عمل تدر عليهم مدخولا لا يستهان به.
وعلى الرغم من احتكار كل من تطوان و طنجة لهذه الاكلة الشعبية اللذيذة، إلا ان هناك مناطق مغربية قليلة تدخل على الخط وتصنع أكلة شبيهة بـ«الكالينتي». إذ يمكن أن تصادفه في احدى دروب المدينة العتيقة بسلا المجاورة للعاصمة المغربية، أو في مدينة وجدة (شرق المغرب)، لكن طريقة صنعه مختلفة. غير أنه في طنجة يعرض نفسه في جل الشوارع والحارات الشعبية، ويشتاق إليه حتى أبناء المدينة التي غادروها مهاجرين أو عاملين في مدن وبلدان أخرى، إذ لا بد لهم أن يبحثوا عنه عند عودتهم إلى المدينة ليستطيبوا نكهته التي تعلق بذاكرة أيام الطفولة والدراسة في فضاءات المدينة الجميلة، وربما ولهذا السبب تنشط تجارته في مواسم العطل طيلة العام وتتوالد عرباته المتنقلة عبر أنحاء الأماكن الاستراتيجية للمدينة. لذا فـ«الكالينتي» حاضر دائما «سخون ولذيذ»، كما ينادي به الباعة أنفسهم، ولن يعرف طريق الانقراض أبدا كما يقول لنا أحد البائعين لأن ثمنه مناسب جدا ويقبل عليه الفقراء والأغنياء على حد سواء.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق